الخميس، 29 سبتمبر 2011

ظاهرة الإغتراب النفسي


الباحث.أطلس عبد الغني
مقدمة : 
بات من المؤكد أن تجربة الشعور بالوحدة النفسية ، حالة واسعة الانتشار لدى أفراد الجنس البشري ، لدرجة أنها أصبحت في واقع الأمر حقيقة موجودة في حياتنا اليومية لاتعرف لنفسها أي حدود . فهي قد توجد لدى الصغير والكبير ، والمتزوج وغير المتزوج ، والغني والفقير ، والمتعلم وغير المتعلم ، والشخص السليم والشخص المريض ، ولدى الانبساطيين والإنطوائيين ، فهي في كل الأحوال توجد في كل مراحل الحياة ، وهي بصفة عامة تعتبر مدخلاً أساسياً لفهم جميع الظواهر النفسية (Seligman,1993)
 مشاعر الحزن والوحدة من أكبر المشاكل التي تواجه الناس اليوم، و عادة ما يرتبط الاثنان معا لأن كثيرين يحزنون بسبب شعورهم بالوحدة.
      لقد تفشت مشكلة الوحدة في مجتمع اليوم أكثر من الماضي، ففي مجتمعي يزيد عدد الناس الذين يطلبون المشورة و العون حتى يستطيعون التغلب على مشاعر الوحدة التي تضايقهم.
وبما أن الشعور بالوحدة النفسية حالة ينفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية بسبب امتلاكه نظاماً اجتماعياً ، يتأثر به ويؤثر فيه، وأي خلل قد يحدث في الأواصر التي تربط الإنسان بغيره من أبناء جنسه أو أي تغير يحدث في النظام الاجتماعي ، ينعكس على الفرد ، وينتج عنه اضطراب في الطابع الاجتماعي المكتسب لدى الأفراد، ما يولد لديهم الشعور بالاغتراب أو الانعزال أو معاناة الوحدة النفسية وكما تترك آثارا على الفرد حيث من شأنها أن تؤثر على مجمل نشاطاته كما أنها تُعد نواة لمشكلات أخرى.
فإن تجربة الشعور بالوحدة النفسية تعد في حد ذاتها خبرة أليمة وشاقة ومريرة على النفس البشرية ، حيث يقاسي الفرد ويعاني من جراء هذا الشعور البغيض والتعس من فقدان الحب والتقبل الأسري ، وكذلك الشعور بانعدام الود والصداقة والاهتمام من الأصدقاء والزملاء .. ، إلى جانب الشعور الدائم بالحزن والتشاؤم والإنعزال وانعدام قيمة الذات ، والبعد عن المشاركة أو التفاعل مع الآخرين ، وبالتالي إنعدام الثقة بالآخرين ، والشعور بفقدان التواصل الاجتماعي ، بل وفقدان أي هدف أو معنى للحياة ، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى الإحساس بأنه شخص غير مرغوب فيه أو أنه لافائدة منه ، فيفقد الاهتمام بأي شئ ، نتيجة عدم الرضا الناتج عن إعاقة أو عدم تحقيق مطلب هام من مطالب النمو الإنساني ، وحاجة نفسية لابد من إشباعها في إطار اجتماعي ألا وهي الحاجة إلى الجماعة والانتماء
لقد نظر الباحثون والمتخصصون إلى مفهوم الوحدة النفسية في الآونة الأخيرة على أنه مفهوم مستقل له خصائصه المميزة ، وعلى الرغم من التداخل الموجود بين مفهوم الوحدة النفسية وبعض المفاهيم السيكولوجية الأخرى كالعزلة الاجتماعية والاغتراب النفسي إلا أن الوحدة النفسية تحدث نتيجة لافتقار الإنسان لأن يكون طرفاً في علاقة محددة أو مجموعة من العلاقات.
كما أرى أن الشخص الذي يميل إلى العزلة يبدو وحيداً منعزلاً  عن الناس، وهو يحاول دائماً تجنب المجتمعات، والأماكن العامة، ويقضي معظم وقته في الأعمال الفردية كالقراءة، والرسم، وأحلام اليقظة، وإذا اضطرته الظروف أن يكون موجوداً بين الناس، فإنه يبقى صامتاً وإذا أجبر على الكلام اضطرب وخجل.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام : أن الفرد الذي يعاني من الوحدة النفسية هو الذي يشعر بأنه وحيد رغم كثرة من حوله ، وأنه غير منسجم معهم ، وهو في حاجة لأصدقاء ، ويغلب عليه الإحساس بأنه ليس جزءاً من جماعة الأصدقاء ، وأنه لايوجد من يشاركه أفكاره واهتماماته ، ولايوجد من يشعر معه بالود والصداقة ، وأنه يشعر بإهمال الآخرين له ، وأنه لايوجد من يفهمه ، وأنه خجول ، وأن الناس منشغلون عنه .
هذا ويتفق الباحثون على وجود خاصيتين للوحدة النفسية ، الأولى أنها تعتبر خبرة غير سارة مثلها مثل الحالات الوجدانية غير السارة كالإكتئاب والقلق . والثانية أنها كمفهوم تختلف عن الإنعزال الاجتماعي Social isolation ، وهي تمثل إدراكاً ذاتياً للفرد بوجود نواقص في شبكة علاقاته الاجتماعية Social-network . فقد تكون هذه النواقص كمية مثل عدم وجود عدد كاف من الأصدقاء ، أو قد تكون نوعية مثل نقص المحبة أو الألفة مع الآخرين . (Peplau & PerlmanK1982 : 24-25) .
و أعتقد أن أحد الأسباب التي تجعل الناس، و بالأخص فئة الشباب أسرى الشعور بالوحدة هو نتيجة حدوث خلل في علاقاته  الاجتماعية بصورة كمية أو كيفية، وعدم قدرته على الدخول في علاقات مشبعة ومرضية مع الآخرين، إضافة إلى شعوره بالإهمال، وعدم التقبل مما يؤدي به إلى الشعور بالوحدة والانزواء. ومن الواضح أن الناس يختلفون في ردود أفعالهم تجاه الشعور بالوحدة، و لكن لكل منا مشاعر تجرح وتتألم ولا بد من شفائها.
فإن تعلمنا كيف نقبل ما يقدمه الله لنا، سنعيش الحياة الأفضل التي تخلو من الحزن و الوحدة.
فالفرد لا يعيش بمعزل عن العالم ولا يحبس نفسه في برج عاجي بعيداً عن البشر حيث أن فطرته التي فطره الله عليها تحتم عليه الاتصال بغيره للتعاون معه مؤثراً فيه ومتأثراً به
   لقد حررتني ثقتي بالله من عبودية الحزن و الوحدة ، لهذا نقلت تجربتي في هذا الكتاب ليعينك حتى تجد الحرية أنت أيضاً.

أولا: تعريف الوحدة النفسية Loneliness Feelings
أ . التعريف اللغوي للوحدة النفسية :
وهي بفتح الواو و تسكين الحاء . وهي في التعريف اللغوي : الوحدة ضد الكثرة، والوحداني : المنفرد في نفسه ( المنجد في اللغة والإعلام ، 1988: 98).
لقد تعددت المناحي المستخدمة في تعريف معني الوحدة النفسية . فمن وجهة نظر معاجم اللغة العربية, يقصد بالوحدة الانفراد .فيرى محمد أبى بكر الرازي أن الوحدة تعنى الانفراد, والرجل الوحيد يقصد به : الرجل المنفرد بنفسه أو المنفرد برأيه (الرازي, د.ت). وهكذا, تتحدث هذه المعاجم عن الوحدة النفسية كما ذكر (ابن منظور,د.ت:450 ) بمعني الانفراد كعملية إرادية, حيث في بعض الأحيان أن يعمد الفرد إلي اعتزال الناس بمحض إرادته والاختلاء بنفسه مع فكرة أو موضوع ما ولا يعترى الفرد عندئذ أي إحساس أو شعور بالضيق أو التوتر بسبب كونه وحيدا بيد أن هذا المعنى يختلف عما يتضمن مصطلح الإحساس بالوحدة لان الوحدة النفسية ترتبط بالوحشة وهذا ما أكدته معاجم اللغة العربية.وقد ربط بعض علماء اللغة بين مفهوم "الوحدة " ومفهوم "الوحشة" مثل العالم "أبادي" والعالم "الجوهري" إلا إن العالم الجوهري لم يقف عند حد الربط بين مفهوم الوحدة والانفراد بالنفس ولكن أيضا يربط بين الإحساس بالوحدة والإحساس بالوحشة أي " الانقطاع عن الناس وبعد القلوب عن المودات (شيبي,12:2005).
Ü من خلال هذا التعريفات نلاحظ أن الوَحدة تظهر في صورة ألم داخلي أو فراغ أو رغبة شديدة المشاعر،
ب . تعريف الوحدة النفسية في الاصطلاح :
تتعدد الآراء ووجهات النظر حول مفهوم الشعور بالوحدة النفسية وفقاً لاتجاه ووجهات نظر كل عالم من العلماء وفيما يلي عرض لبعض هذه المفاهيم:
ويعرف موستكار(1961:41, Moustakar) الوحدة لغوياً بأنها: بقاء الفرد دون صحبة ولكنه يضيف أن الشعور بالوحدة النفسية يعتبر شعوراً أعمق من مجرد البقاء دون صحبة فهو شعور بالفارغ العاطفي.
تعريف (لينتش ,Lynch :1977 233) للشعور بالوحدة النفسية بأنه: حالة يشعر فيها الفرد بالوحدة أي بالانفصال عن الآخرين وهى حالة يصاحبها معاناة الفرد لكثير من ضروب الوحشة والاغتراب والاغتمام والاكتئاب وذلك من جراء إحساسه بالوحدة .
ويرى البعض أن الوحدة النفسية تحدث بسبب غياب الإنسان عن أحبته لفترة طويلة، أو بسبب وفاة الزوج أو الزوجة أو بسبب الطلاق أو الانفصال ويشعر المنفصلون أو المطلقون بالوحدة النفسية بدرجة أعلى من الأفراد الذين يعيشون بمفردهم ولم يتزوجوا )عبد الباقي ،2002 :.(86
وكذلك تعرف زينب شقير الوحدة النفسية بأنها: الرغبة في الابتعاد عن الآخرين والاستمتاع بالجلوس منعزلاً عنهم مع صعوبة القدرة على التودد إليهم وصعوبة التمسك بهم بجانب الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس ، وأنه غير محبوب عاجز عن الدخول في علاقات اجتماعية قوية مع غيره يفضل أن يوجد أكبر وقت بمفرده مع شعور بالخجل والتوتر في وجود الآخرين، ولا يتفاعل معهم بشكل إيجابي ومقبول وهو شخص لا يثق بنفسه وغالباً ما يشعر بالوحدة حتى في وجود الآخرين (المزروع، 2003:160).
وقد تناول ( أبو بكر مرسي1999 ,) تعريف الوحدة النفسية على أنها: خبرة غير سارة تضطرب فيها العلاقة بين الواقع وعالم الذات وتنبئ عن عجز في المهارات الاجتماعية وفي شبكة العلاقات الاجتماعية،ويصاحبها أعراض سيكوسوماتية ومشكلات تدور حول نقص الأصدقاء والدفء في العلاقات ومن ثم افتقاد الرابطة الوجدانية مع الوسيط المحيط ، مما يؤثر على الأداء السيكولوجي والتوافق العام للفرد(الدهان,2001 :98 ).
كما يعرف(حمادة,:2003  (10الوحدة النفسية بأنها شعور الفرد بوجود فجوة نفسية تباعد بينه وبين الوسط المحيط به .
كما تعرفها (جودة,2005 : 10 ) الوحدة النفسية ظاهرة من ظواهر الحياة الإنسانية يخبرها الإنسان بشكل ما، وتتسبب له بالألم والضيق والأسى، فهي حقيقة حياتية لا مفر منها، لا تقتصر على فئة عمرية معينة،  كما رأت، يعاني منها الأطفال، والمراهقون، والراشدون، والمسنون .
        ويذكر(الدهان، 2001: 97-98) والوحدة النفسية تبدأ مع الإنسان منذ الطفولة عندما يبدأ احتياجه للاتصال بالآخرين وتؤثر في خبرته ونموه وتصل إلى أهميتها القصوى في نموه مع بداية مرحلة المراهقة ، فالطفل يقابل العديد من المواقف في حياته مما يجعله يواجه إحساسه بالوحدة النفسية ،فالطفل الذي يتركه والداه لأسباب اضطرارية بالمنزل أو الطفل الذي يجبر على الجلوس في حجرته وحيداً كعقاب من والديه ، أو الطفل الذي يقضي فترة العلاج في المستشفى بعيداً عن والديه يمر بخبره الوحدة النفسية ،كذلك ذهاب الطفل لأول مرة إلى المدرسة أو الطفل الذي ليس لديه أصدقاء أو الطفل الذي يشعر بأنه غير معروف بين زملائه ومدرسيه بالمدرسة .
هذا بينما ترى روكاتش531:1988 , Rokach )) أن الشعور بالوحدة النفسية هو شعور مؤلم ونتاج تجربة ذاتية مخبرة ذاتياً وبشكل متفرد ، وهذا الشعور ناتج من شدة الحساسية الفجة وشعور الفرد بأنه و حيد وبعيد عن الجميع ، والشعور بأنه غير مرغوب فيه ومنفصل عن الآخرين ، ومقهور بالألم الشديد ، وترى أيضاأن هذا الشعور ناتج عن الغياب المدرك للعلاقات الاجتماعية المشبعة وهو شعور مصحوب بأعراض الضغط النفسي
وتعرف ) شقير (162: 2000, الشعور بالوحدة النفسية بأنه الرغبة في الابتعاد عن الآخرين والاستمتاع بالجلوس منعزلاً عنهم مع صعوبة التودد وصعوبة التمسك بهم، بجانب الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس.
كما يستعرض ويس Weiss   بأن الشعور بالوحدة النفسية هو  ظاهرة معقدة وسببها النتائج العاطفية السلبية ، كما تنتج من ألم الانفصال ،وغياب أشكال المودة (زهران1994,:(27
في ضوء كل ما تقدم من أراء وتصورات بخصوص أهمية الشعور بالوحدة النفسية فإنه يمكن القول بأن هذا الشعور يتمثل في شعور الفرد بوجود فجوة نفسية تباعد بينه وبين أشخاص وموضوعات مجاله النفسي إلى درجة يشعر فيها الفرد بافتقاد التقبل والحب من جانب الآخرين ، ويترتب على ذلك حرمانه من الاختلاط مع أفراد المجتمع الذي يعيش فيه ، والذي من خلاله يمارس دوره بشكل طبيعي ، وهذا هو نفس تعريف) قشقوش ( 19: 1979 ,  للشعور بالوحدة النفسية، حيث يتفق مع مضمون وأهمية هذا الشعور طبقاً لما ورد في آراء وتصورات الباحثين وممارسة فن التعامل معها إرشادياً وعلاجياً.
      ولذا يعد الشعور بالوحدة النفسية من الظواهر الاجتماعية الهامة التي تنتشر بين الأفراد في جميع مراحل العمر المختلفة من الطفولة وحتى الكهولة( جابر وعمر،(10: 1989.
أما نيوكمب وبنتلر (Newcomb & Bentler,1986 : 521) فيعرفان الشعور بالوحدة النفسية، بأنه عجز في المهارات الاجتماعية وفي علاقات الفرد الاجتماعية ، مما يدفع به إلى بعض الاضطرابات النفسية كالقلق أو الإكتئاب  أو التفكير في الإنتحار ، وكذلك معاناة الفرد من الأعراض  النفسحسمية ، كالصداع وضعف الشهية والتعب والإجهاد ، وأيضاً العدوانية والمشكلات الدراسية والهروب من المنزل ، مما له في نهاية الأمر من آثار حادة على الأداء السيكولوجي والتوافق النفسي .
ويشير ويكس وآخرون (Weeks et al.,1980) إلى أن مفهوم الشعور بالوحدة النفسية قد حظي باهتمام الباحثين المتخصصين في مجال الصحة النفسية ، خاصة وأن عديداً من الدراسات والبحوث قد أكد أنه مفهوم مستقل عن مفهوم الإكتئاب ، على الرغم من وجود علاقة مشتركة بينهما .
 كما يؤكد كوبستانت (Kubistant,1979) على أن ظاهرة الشعور بالوحدة النفسية ، تعتبر في حد ذاتها ظاهرة منفصلة ومستقلة ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إدماجها أو تصنيفها ضمن أي ظاهرة نفسية أخرى (الدليم و عامر 20:2004 ,).

يتضح مما سبق، أن الشعور بالوحدة النفسية هو حالة يخبرها الفرد تنشأ أساسًا عن قصور في العلاقات الاجتماعية للفرد مع الآخرين، مما يجعل الفرد يشعر بالألم و المعاناة بسبب إحساسه بعدم تقبل وإهمال الآخرين له، كما يتضح أن معنى الوحدة النفسية لا يتفق مع العزلة الموضوعية التي يجبر الإنسان عليها مثل حالات السجن الانفرادي، وغيرها من الحالات التي يفقد الإنسان فيها حريته ويعزل عن الآخرين رغم إرادته.
والتعريف الذي تأخذ به هذه الدراسة يفيد بأن الوحدة النفسية هي خبرة شخصية مؤلمة تعيشها المرأة نتيجة شعورها بقلة التقبل والحب والاهتمام من جانب المقربين المحيطين بها، بحيث يترتب على ذلك عدم القدرة على إقامة علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة والمودة والصداقة الحميمة،مما يكشف عن وجود امرأة وحيدة رغم المحيطين بها.
وتعرف الوحدة النفسية إجرائيًا في البحث الحالي بأنه الارتفاع في درجات المرأة على مقياس الوحدة النفسية المستخدم في الدراسة.
ثانياً: (عناصر وأبعاد ومكونات) الشعور بالوحدة النفسية:
لقد تباينت آراء الباحثين واختلفت حول أبعاد ومكونات وعناصر الشعور بالوحدة النفسية وفيما يلي عرض لبعض آراء هؤلاء الباحثين:

أ‌.        عناصر الشعور بالوحدة النفسية:

تناولت إمي روكاتش(  .(Rokach ,1988:541-542عناصر الشعور بالوحدة النفسية:
ترى (إمي) أن هناك نموذجاً يتكون من أربع عناصر أساسية للشعور بالوحدة النفسية وهي:

Organigramme hiérarchique
شكل (4) نموذج (إمي روكاش) لعناصر الوحدة النفسية

1- اغتراب الذات: وهو شعور الفرد بالفراغ الداخلي والانفصال عن الآخرين واغتراب الفرد عن نفسه وهويته والحط من قدر الذات.
2- العزلة في العلاقات الشخصية المتبادلة: ويتمثل ذلك في مشاعر كون الفرد وحيداً انفعالياً وجغرافياً واجتماعياً ، وشعور الفرد بعدم الانتماء ونقص في العلاقات ذات المعنى لديه حيث يتكون العنصر الآخرين غياب المودة وإدراك الفرد للغياب الاجتماعي والشعور بالخذلان والهجر.
3- ألم / صداع خفيف: وتتمثل في الهياج الداخلي والثوران الانفعالي للفرد وسرعة الحساسية والغضب وفقدان القدرة على الدفاع والارتباك والاضطراب واللامبالاة ، الذين يستهدف لهم الأفراد الشاعرون بالوحدة النفسية.
4- ردود الأفعال الموجعة الضاغطة: ويتكون ذلك نتاج مزيج من الألم والمعاناة والخبرة المعاشة للشعور بالوحدة النفسية والمتضمنة للاضطراب والألم الذي يعايشه الأفراد الشاعرين بالوحدة النفسية.
ب. أبعاد الشعور بالوحدة النفسية

أبعاد الشعور بالوحدة النفسية عند ويس ((Weiss,1987:10:
وضع (ويس Weiss) ثلاثة أبعاد أساسية لخبرة الشعور بالوحدة النفسية وهي:
- البعد الأول (العاطفة)  Emotional
حيث يحتاج الأفراد دائماً إلى الصداقة العاطفية الحميمة من الأشخاص المقربين، وإلى التأييد الاجتماعي ويتولد الشعور بالوحدة النفسية نتيجة لفقد الأفراد الشعور بالعاطفة من قبل الآخرين.
- البعد الثاني فقدان الأمل (اليأس أو الإحباط)
وهو شعور الفرد بالقلق المرتفع والضغط النفسي عند التوقع لاحتياجات لا تتحقق مما يولد الشعور بالوحدة النفسية.
- البعد الثالث (المظاهر الاجتماعية)          
وهي أن شعور الفرد بالوحدة النفسية يقف حائلاً أمام تكوين الصداقات مع الآخرين، مما يولد الشعور بالاكتئاب، ويجعل الفرد مستهدفاً للإدمان، وانحراف المراهقين وسلوكهم سلوكاً يتسم بالعنف والعدوان( النيال,(102:1993.
ج. مكونات الشعور بالوحدة النفسية
تناول قشقوش مكونات الشعور بالوحدة النفسية:
1- إحساس الفرد بالضجر نتيجة افتقاد التقبل والتواد والحب من قبل الآخرين.
2- إحساس الفرد بوجود فجوة نفسيةPsychological gap ٍتباعد بينه وبين الوسط المحيط يصاحبها أو يترتب عليها فقد الثقة بالآخرين.
3- معاناة الفرد لعدد من الأعراض العصابية كالإحساس بالملل وانعدام القدرة على تركيز الانتباه والاستغراق في أحلام اليقظة.
 -4إحساس الفرد بافتقاد المهارات الاجتماعية اللازمة لانخراطه في علاقات مشبعة مثمرة مع الآخرين. (المزروع، 2003:161-163).
ويرى (خضر والشناوي،1988) أن مشاعر الوحدة تنتج من الحاجة للارتباط مع آخرين على أساس من الود والمحبة وإلى مقدرة الفرد على التعبير عن أفكاره وعواطفه بحرية تامة، وبدون خوف من الفرض أو سوء الفهم، وأن الوحدة أو الإحساس بها لا تحدث لكون الإنسان منفرداً بل هي نتيجة لنقص العلاقة الوثيقة والودودة  مع شخص آخر، أو نتيجة نقص في نسيج العلاقات الاجتماعية التي يكون فيها الفرد جزءاً من مجموعة من الأصدقاء يشتركون في الاهتمامات والأنشطة.
ثالثاً: أسباب و مصادر الشعور بالوحدة النفسية:  
الوحدة النفسية لها أسباب متعددة ، بعضها يعود لطبيعة الأشخاص أنفسهم, ويعود البعض الأخر لاضطرابات كمية أو كيفية في شكل العلاقات الاجتماعية حيث يرى ويس (Weiss,1974) أن الشعور بالوحدة يمكن أن نعزوه إلى:
- المواقف الاجتماعية.Situational وهي تركز على النواقص أو المشكلات و الصعوبات القائمة فى البيئة باعتبارها أسبابا مؤدية للوحدة.
- الفروق الفردية   Individualأو ما يعرف بمجموعة الخصائص الشخصية Personal Characters التي تساعد الأفراد بالوحدة النفسية مثل الخجل والانطواء, والعصابية مع وجود اختلافات في  الفروق الفردية لدي الأفراد (حسين,1990: 90).

في حين يرى Roy أن الوحدة النفسية هي حاجة للشعور بالانتماء، فلكل فرد ثلاث حاجات نفسية:
-1 الحاجة للحب والمشاركة الوجدانية.
2- الحاجة إلي وجود طرف آخر يتفهم المشاعر والأحاسيس المختلفة.
 -3الحاجة لوجود من يشعر المرء بالاحتياج إليه.
في حالة عدم إشباع الفرد للحاجات الثلاثة يشعر الفرد بالفراغ , في حين أن هذا  الشعور بالوحدة ينشأ كنتيجة لنقص المهارات الاجتماعية للتواصل مع الآخرين ,ومن ثم ,يلزم الاهتمام بهذا التواصل الوجداني منذ الطفولة لتنمية قدرات الأفراد علي  التعامل مع العزلة دون الشعور بالوحدة (شيبي,  25:2005) .


وقد بيّن بيتر لانت (29-30:Lunt, 1991) أن هناك أسباباً متراكبة للوحدة النفسية
 واستخدم 13 سبباً أخذها من دراسة فيشيلا وهي كما يلي:

1-التشاؤم
2-الخوف من عدم القبول
3- ضعف المحاولة
4- عدم الحظ والتوفيق
5- قلة الفرص
6- الوضع الرسمي مع الآخرين
7- عدم الجاذبية
8-الخجل
9- قلة محاولة الآخرين عمل علاقات معه
10- شخصية غير محبوبة
11- العلاقات مع المجموعات الأخرى (عدم اهتمام الآخرين به)
12- قلة المعرفة ألا يعرف كيف يبدأ بإنشاء العلاقات مع الآخرين
13- قلق الآخرين تجاهه (خوف الآخرين من الارتباط به)

وقد ربط في دراسته جميع هذه الأسباب للوحدة النفسية ببعضها البعض، بحيث جعلها كشبكة مترابطة تؤثر في بعضها بشكل متعدد الأبعاد، وقد أظهرت هذه الشبكة نظرية معقدة للوحدة النفسية، وكذلك أكد في دراسته على الدور الهام للشخصية ذاتها في التأثر بالوحدة النفسية.



 


















شكل (5) النموذج Lunt لأسباب الشعور بالوحدة النفسية

ومما سبق يتبين أن هناك مؤثرين رئيسيين لحدوث الوحدة النفسية، وهما مؤثر داخلي يتمثل في شخصية الفرد بنفسه، ومؤثر خارجي يتمثل في علاقة الفرد مع الآخرين في المجتمع، فالمؤثر الخارجي والمتمثل في العلاقات الاجتماعية للفرد له تأثيره الكبير عليه، فيشعر من خلاله بالقبول والانتماء والدعم، أو قد يشعر عكس ذلك، وأما المؤثر الداخلي والمتمثل في شخصية الفرد نفسه لا يقل أهمية عن المؤثر الخارجي، فالشخصية هي التي تحدد نوع الأصدقاء، وتساهم في جعل الشخص مرغوباً، أو غير مرغوب فيه، ومدى قدرته على المحافظة على استمرار علاقاته بالآخرين(حمادة,24:2003).
ويتولد الشعور بالوحدة عندما:
-1 يشعر الفرد بتناقض بين نمط العلاقات الاجتماعية القائمة فعلياً بينه وبين الآخرين، ونمط العلاقات التي يجب أن يتمنى أن يقيمها معهم.
 -2عندما لا يكون له سوى عدد قليل من الأصدقاء ويرغب لو تكون له علاقات اجتماعية أوسع.
 -3عندما تكون له علاقات اجتماعية أوسع ولكنها تفتقر إلى العمق والحرارة(حمادة,2003: (27.
أما على مستوى الأسباب فقد أورد روكاتش (Rokach,2003:267-282)أن الأسباب المؤدية إلى ظهور الوحدة النفسية التي تنحصر في ثلاثة هي :
-1 العجز الشخصي النمائي .
 -2الفشل في إقامة العلاقات.
 -3الهامشية الاجتماعية التي يعيشها الشخص.
        وبالنظر إلى الواقع الاجتماعي نجد أن بعض الأفراد أقدر من غيرهم على إقامة علاقات اجتماعية، وعلى الاحتفاظ بالصداقات والروابط المتينة في الجماعات، وتعتبر هذه العلاقات سنداً هاماً ومقوماً أساسياً من مقومات الصحة النفسية، وهذا بدوره يؤكد على أهمية الفروق الفردية في الشعور بالوحدة النفسية.
وقد ذكر(الدردير و عبد الله, ( 16 :1999  أن من الموديلات التي توضح ظاهرة الشعور بالوحدة النفسية نموذج Rokach والذي يوضح العناصر التي تسبب الشعور بالوحدة النفسية للأفراد كما هو موضح في شكل توضيحي (6):



Zone de Texte: الشعور بالوحدة النفسية 




























شكل (6) نموذج Rokach  لأسباب الوحدة النفسية




الوحدة النفسية وعلاقتها ببعض المفاهيم

بما أن الشعور بالوحدة هو شعور ضاغط مؤلم لا يستطيع الفرد الخلاص منه وقتما يشاء, ولوجود قدر من التداخل والارتباط بين الشعور بالوحدة النفسية و بعض المفاهيم وجدت الباحثة ضرورة التطرق إلى بعض هذه المفاهيم التي لها علاقة بالوحدة النفسية ومنها:
أ- الوحدة النفسية وعلاقتها بالمهارات الاجتماعية:
تلعب المهارات الاجتماعية دوراً كبيراً في التغلب على مشاعر الإحساس بالوحدة النفسية، وعقد علاقات مثمرة بناءة تقوم على الود والاحترام مع الآخرين، ولذلك ترى الصراف أن الأفراد الشاعر بالوحدة النفسية يفتقدون القدرة على المبادأة للعلاقات الودودة.
وتؤكد نتائج بعض الدراسات السابقة على أن الأفراد الشاعرين بالوحدة النفسية يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية حيث يجدون صعوبة في المشاركة مع الآخرين في الحفلات وإعطاء الثقة للآخرين، وعدم التقدير الكافي لذاتهم، من حيث القدرة على مواجهة مواقف اجتماعية مختلفة، كذلك ارتباط الشعور بالوحدة النفسية إيجابياً بالعجز في التفاعلات الشخصية بين الأفراد كما وأكدت دراسة سابقة أيضا لبوسكيرك ارتباط المهارات الاجتماعية سلبياً مع سياسات المواءمة (الانسحاب – الحزن السلبي – الانطواء) لدى المراهقين ذوي الشعور المرتفع بالوحدة النفسية والذين قرروا عدم مقدرتهم على عقد علاقات اجتماعية ناجحة. (المزروع، 2003: 163).
ب- الوحـدة النفسية وعلاقتها بالضغط النفسي Stress
تواجه الأفراد والأسر والمجتمعات مواقف وفترات حاسمة تنطوي على شدة أو كرب أو أزمة، وما يستدعيه ذلك من ضغوط واضطرا بات ومشكلات، وتلك حقيقة من حقائق الوجود الإنساني. وتصبح القضية - إذن – ليست في أن توجد تلك المواقف أو الأزمات الضاغطة، وإنما فيما تحدثه من آثار أو عواقب أو مشكلات، وفي مهارات التعامل معها ومواجهتها، وفي الوقاية من تداعياتها(الببلاوي، 2001:42).
إن حياة الفرد لا تسمح له دائماً بالحصول على التوازن النفسي أو تحقيق الذات فكثيراً ما يتعرض لعوائق و صعوبات تستلزم منه مطالب تكيفيه قد تكون فوق احتماله , مما يؤدى إلى وقوعه تحت الضغط النفسي والتأزم، وتنحصر مصادر التأزم والضغط النفسي في الإحباط والصراع والضغوط الاجتماعية كذلك تبين إن الاضطراب النفسي يكثر بين النساء اللواتي يواجهن ضغوط نفسية نتيجة فقدان الزوج سواء بالترمل أو الطلاق, مما يعوقهن من ممارسة حياة اجتماعية فيها تناسق وانسجام(يونس,:1993 339).

ج- الوحدة النفسية وعلاقتها بالخجــل
يعد الشعور بالوحدة النفسية من المتغيرات النفسية وثيقة الصلة بظاهرة الخجل، فهناك خصائص نفسية وسلوكية مشتركة بينهما ، يتصدرهما تجنب التفاعل والاحتكاك مع الآخرين ، فضلاً عن انخفاض كل من السلوك التو كيدي وتقدير الذات ولا تنحصر هذه الخصائص المشتركة في الجوانب السلوكية ولكنها تتضمن أيضا جوانب معرفية كالحيرة في كيفية التصرف نحو الآخرين ، إلى جانب الشعور بالارتباك، وضعف القدرة على الاسترخاء والشعور بعدم الجاذبية والأهمية ( النيال ، 1999   ( 40:.
وفي السعي لتوضيح طبيعة العلاقة بين الشعور بالوحدة النفسية والخجل ،(زهران, 39:1994)  يرى مينيجر Menninger بأن الفرد الشاعر بالوحدة النفسية يشترك مع الفرد الخجول في أن شخصية كل منهما تميل إلى الفشل في التكيف الاجتماعي ، حيث أن الفرد الخجول، والمنفرد، والمنسحب من الوسط الذي يعيش فيه جميعها أنماط غير اجتماعية(خوخ,22 : 2002)  .
من هنا تري الباحثة تشابه صفات الشخص الخجول بصفات الأشخاص الوحيدون
صفات الشخص الخجول كما صنفها (حبيب ، 66:1992 ) :
تتحدد بعض صفات الخجول كما يلي :
-1 أكثر قلقاً وتوترا من الشخص العادي.
-2 أقل لباقة وثقة في التداخل والتفاعل الاجتماعي.
-3 الميل إلى العزلة.
-4 الانشغال بالذات وتأمل ما فيها من نقص.
-5 الميل للصمت حين خروجه عند الجماعة .
د- الوحدة النفسية وعلاقتها بالمساندة الاجتماعية
         إن علاقتنا مع الآخرين يمكن أن توفر وسائل مهمة لمواجهة الضغط النفسي ، حيث وجد العلماء أن المساندة الاجتماعية تمكننا من مواجهة كافة المستويات من الضغوط ، ويجعلنا قادرين على مواجهة الضغط بشكل أفضل ، وهناك العديد من الطرق التي يستطيع الآخرون أن يقوموا من خلالها بالمساندة الاجتماعية، عندما يظهر الفرد بأنه بحاجه إلى دعم اجتماعي وهذا مهم في العلاقات الاجتماعية
أوضحت العديد من الدراسات أن العلاقة بين الوحدة النفسية و المساندة الاجتماعية علاقة ارتباطيه، وأن الشعور بالوحدة له العديد من العوامل والأسباب أهمها: التقدم في العمر، ونقص المساندة الاجتماعية، وضعف الصحة وفقدان شخص عزيز، وتوقع الموت، والتقاعد، والشعور بالهامشية (غانم،: 2002 49).
كما يرى, ( 1992: Murphy & Kupshik)  أن الوحدة النفسية تمثل أحد أعراض سوء التوافق الاجتماعي للفرد، وأن المساندة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد من المحيطين به ذات تأثير إيجابي حيث تكون بمثابة أحد العوامل الوسيطة المهمة في تخفيف الشعور بالوحدة النفسية وتحقيق التوافق الاجتماعي والسعادة، وذلك من خلال بعض الأسرة وجماعة الأقران، وزملاء العمل، وتدعيم الشعور بالأمن ، والتفاعل بين الخبرة الاجتماعية للفرد وتنمية تقدير الذات)عابد,2008: 13).
وأشار Rutter (  (Rutter, 1990:182إلى أن العلاقة التي يسودها الحب والدفء بالإضافة إلى أنها تمثل مصدرا للوقاية من الآثار السلبية الناتجة عن تعرض الفرد للأحداث الضاغطة، فإنها ترفع من تقدير الفرد لذاته وفاعليته، وهما عاملان واقيان يساعدان الفرد على مواجهة الأحداث الضاغطة، ويخففان من الآثار المترتبة على التعرض لها . أما إدراك الفرد لعدم وجود مساندة اجتماعية، فإنه يشعره بعدم القيمة وعدم القدرة على المواجهة وتكون هنا بداية انخفاض مستوى الصحة النفسية ، حيث يفتقد الفرد الشعور بالقيمة ويفتقد السند عند المحنة(دياب,68  :2006).
كما يرى ) تفاحة ،: 2005 126) أن الشعور بالوحدة النفسية غالبا ما ينشأ بسبب  ضعف مساندة الآخرين، تلك المساندة التي تعد مصدراً هاماً من مصادر الأمن الذي يحتاج إليه
من عالمه الذي يعيش فيه.
ويعرف (1976 , Cobb)  المساندة الاجتماعية على أﻬا معلومات تقود الشخص إلى الاعتقاد بأنه :
أ - يحظى بعناية الآخرين ومحبتهم.
ب- جزء من شبكة تواصل والتزامات متبادلة .
ج- يحظى بتقدير الآخرين واحترامهم  )العنزى, 25:2006).
ه - الوحدة النفسية وعلاقتها بسمات الشخصية
يري كل من بيلبو وببرلمان   Peplau and Perelmanأن هناك ثلاث وسائل يمكن أن تسهم بها خصائص الشخصية في الشعور بالوحدة وهي:
1- إن هذه الخصائص قد تجعل صاحبها شخص غير مرغوب فيه كصديق ثم تقلل من العلاقات الاجتماعية المتاحة له.
2- إن الفروق الفردية قد تؤثر في السلوك التفاعلي للفرد وتجعل المحافظة على العلاقات أمرا
صعبا , وهذان العاملان يرتبطان في بعضهما بدرجة عالية ويختلفان عن العامل الثالث.
3- إن الخصائص الشخصية تؤثر علي استجابة الشخص الواقعية في العلاقات الاجتماعية
وتؤثر كيف يكون الشخص فعالا في استجابته للوحدة و في إزالة الشعور بها(الشيبي,:2005 37) .
إن الإحساس بالوحدة النفسية يمثل حالة نفسية يصاحبها أو يترتب عليها كثير من أنواع الضجر والتوتر والضيق لدى كل من يشعر بها أو يعاني منها. وقد اهتمت بعض الدراسات بتحديد بعض سمات الشخصية التي ترتبط بالوحدة النفسية .
فقد كشف كل من Perlman  بيرلمان ،و Peplau بيبلو عن مجموعة من السمات التي ترتبط بانتظام مع الذين يشعرون بالوحدة ومنها الخجل والانطواء وقلة الرغبة في القيام بمخاطرات اجتماعية) الشناوي وخضر ، .(123:1988   
               كما أشارت) آل مشرف ( 172 : 1998,  لنتائج دراسات وبحوث قد رسمت صورة واضحة لسمات الشخص الذي يعاني من الشعور بالوحدة النفسية ، ومن هذه السمات : الانعزال والحزن وعدم الشعور بالراحة والضيق العام ، والاتصاف بالحساسية الشخصية المفرطة والتقدير المنخفض للذات والاكتئاب والقلق الاجتماعي والشعور بالخجل بدرجة كبيرة.
بينما يرى) شقير,   (13:2000 أن الشخص الوحيد يفضل دائماً البقاء بمفرده أكبر وقت ممكن ، ولذلك فهو يفتقر إلى الأصدقاء ويعجز عن التفاعل مع الآخرين بشكل إيجابي ومقبول ، إلى جانب شعوره بالخجل والتوتر والنقص وعدم الثقة بالنفس وعدم تقدير نفسه حق قدرها ، كما أنه يشعر بالوحدة حتى في وجود الآخرين .
ويقول) شيخا ني , د.ت ( 326 : أن الشخص الذي يعاني من الوحدة غالباً ما يكون منقطعاً عن الواقع ولا يشارك مطلقاً في التصرفات المشتركة ولا في العمل الجماعي، وينعزل في أغلب الأحيان في مترله يبتعد عن حياة المحيطين به، فيتعرض هذه الطريقة إلى الارتياب أو الشك بوجود عداوة تجاه أمثاله . 
وجد كل من بلوكونيس وزيمباردو  Pilkonls and Zimbardo وسيرمات Sermat وكاترونا Cutrona أن الأفراد الذين يخبرون مشاعر الوحدة النفسية يميلون إلى الخجل، الانطواء، ويقل ميلهم للمخاطرة الاجتماع.
وجد كل من راسل، بيبلوي، وكاترونا Russel, Peplau and Cutrona  أن الوحدة النفسية عادة ما ترتبط بانخفاض تقدير الذات.
أكدت دراسة كل من وارن Warren ودراسة كاترونا Cutrona أن الذين يشعرون بالوحدة النفسية يعانون من نقص في المهارات الاجتماعية، ويتصفون بالسلبية مع انخفاض في توكيد الذات، وتقديرها وارتفاع الخجل، وعدم الوعي بالذات، وصعوبة تكوين أصدقاء جدد.
أظهرت دراسةLoodwheeler   أن الشعور بالوحدة النفسية من حيث أنها حالة نفسية يصاحبها أو يترتب عليها كثير من ألوان التوتر والضيق والشعور بأنقص لدى كل من يشعر بها(الشيبي,(31:2005.
وعليه فإن الباحثة ترى من خلال السمات التي سبق الإشارة إليها أنها اجتمعت حول بعض السمات البارزة والتي يمكن وضعها كسمات يتصف بها الشخص الوحيد كالشعور بالقلق والتوتر والاكتئاب والانطواء والشعور بالخجل وفقد الثقة بالنفس والتوتر في وجود الآخرين وأخيراً العجز في إقامة علاقات مع مجتمع أكبر . إن الذين يشعرون بالوحدة يعانون من عدم القدرة على كشف أفكار ومشاعر الآخرين مما يعيق نمو العلاقات والحفاظ عليها بصورة طبيعية.
يتسم الأفراد الذين يعانون من الشعور بالوحدة  بما يلي:
أ‌-  تكوين مشاعر سلبية تجاه الآخرين.
ب‌- أكثر سلبية وغير قادرين على الاستجابة أثناء التفاعلات الاجتماعية.
ج- في بعض الأحيان يستثيرون ردود فعل سلبية مع الغير.
د- الشعور بالخجل والقلق وعد الارتياح في المواقف الاجتماعية.
هـ- الشعور بالاكتئاب وعدم القدرة على التفاعل الاجتماعي.
وكل ذلك يجعل الأمر أكثر صعوبة للشخص الذي يعاني من الشعور بالوحدة أن يقيم علاقات اجتماعية مُرضية للحد من الشعور بالوحدة.

مظاهر الشعور بالوحدة النفسية:
لقد طلب بعض علماء النفس ومنهم روبنشتين وفيليب من الناس أن يصفوا بالتفصيل عن خبرتهم وشعورهم عندما يكونوا وحيدين، فظهرت أربعة عوامل عامة من خلال وصف الناس لمشاعرهم وهي:
1-    اليأس (Despair) بمعنى الشعور بالإحباط والعجز.
2-    الاكتئاب (Depression)
3-    الضجر وعدم الصبر(Boredom)
4-    احتقار وانتقاص الذات(Self Deprecation)
وبالرغم من أن كل عامل من هذه العوامل يتفاوت عن الآخر باختلاف شعوري بسيط فإنها كلها تعكس الحزن في كون الإنسان وحيدا(روكاتش, (538:1988.
ومن أهم ما يصاحب الشعور بالوحدة النفسية هو ما ذكره Seepersad ,2001:232)) ومن أمثلته:
- وجود شخص ما يهتم بنا: وهو الرغبة في الحصول على شخص ما يشاركنا تفكيرنا وشعورنا وشخص يهتم ويعتني بنا، شخص نحبه ويحبنا.
- البكاء: الألم عادة ما يتلازم مع الدموع، ومن أجل ذلك فإن الوحدة النفسية أيضا تتلازم مع الدموع.
- المشاعر الخفية: بعض الأفراد الوحيدين يتدبرون مع الوحدة النفسية من خلال إخفاء مشاعرهم، فالبعض يخاف من البوح بمشاعره إذا اعتقد أنه سوف يسبب له السخرية أو الرفض، ويخفي الكشف عن أي إشارة للضعف مثل الوحدة النفسية.
- البلادة والخمول: تترافق الوحدة النفسية أيضا مع فترة خمول مثلاك المكوث في الفراش، الجلوس، التقوقع، وخلال فترات الخمول هذه يكون الأفراد المنعزلون غارقين في أفكارهم، إما في يحلمون في صديق يكون كاملاً أو يفكرون في أشياء أخرى تستحوذ على أفكارهم.
- الانسحاب والاستغراق في أحلام اليقظة.
- الانتحار: يفكر البعض بأن الموت هو الطريق الوحيد للهروب من الوحدة النفسية.
- التدين: وهو طريق آخر من طرق التعاطي مع الوحدة النفسية، حيث يشعر البعض بأن الدين هو علاج ناجح لقهر وحدتهم النفسية(عابد,(28:2008.
وهذا دليل على أن الإنسان المسلم أبعد الناس عن الأمراض النفسية لأنه أكثر من غيره ارتباطاً بالله سبحانه وتعالى وهو على يقين بأن الله هو الذي يؤنس وحشته.
وهكذا يتضح أن من أهم مظاهر الشعور بالوحدة النفسية هي الحزن الشديد والقلق والضجر والتوتر والإحباط والخجل الزائد والإحساس بالملل والإجهاد وعدم القدرة على التركيز والاستغراق في أحلام اليقظة والنوم الكثير وعدم الثقة في النفس واحتقارها، وشعوره بالعجز في الدخول بعلاقات اجتماعية مشبعة مع الآخرين، وشعوره بالاستثناء والإهمال وعدم التقبل.
أنواع الوحـدة النفسية:
ويرى نيلسون وزملاؤه "Neilson &et. al 1979 "  بأن الوحدة النفسية هى تلك الحالة التي يشعر فيها الفرد بالعزلة عن الآخرين ويصاحبها المعاناة لكثير من ضروب الوحشة والاغتراب والاغتنام والاكتئاب من جراء الإحساس بالوحدة النفسية، وإذا كانت الوحدة النفسية لها أسباب متعددة بعضها يعود لطبية الأشخاص أنفسهم، والبعض الآخر يعود لاضطرابات كمية أو كيفية في شكل العلاقات الاجتماعية، فإن للوحدة النفسية أشكالاً تقصرها (ويس) على نوعين هما:
أ‌-       الوحدة النفسية العاطفية.
ب‌-   الوحدة النفسية الاجتماعية.
ويرى ويس بأن الوحدة النفسية العاطفية ناتجة عن نقص العلاقات الودودة مع الآخرين، أما الوحدة النفسية الاجتماعية ناتجة عن نقص في شبكة العلاقات الاجتماعية (الدهان، 2001:98).
وقد ميز يونج (Young ) بين ثلاثة أنواع من الوحدة النفسية وهي:
1-    الوحدة النفسية العابرة Transient : والتي تتضمن فترات من الوحدة النفسية على الرغم من أن حياة الفرد الاجتماعية تتسم بالتوافق والمواءمة.
2-    الوحدة النفسية التحولية Transitional: وفيها يتمتع الفرد بعلاقات اجتماعية طيبة في الماضي القريب ولكنهم يشعرون بالوحدة النفسية حديثاً نتيجة لبعض الظروف المستجدة كالطلاق أو وفاة شخص عزيز.
3-    الوحدة النفسية المزمنة Chronic Loneliness: والتي قد تستمر لفترات طويلة تصل إلى حد السنين وفيها لا يشعر الفرد بأي نوع من أنواع الرضا فيما يتعلق بعلاقاته الاجتماعية
( النيال، 1993: ( 103.

أما (قشقوش,1988) فقد قسم الوحدة النفسية إلى ثلاثة أنواع رئيسة وهي:
1- الوحدة النفسية الأولية: توصف الوحدة النفسية على أنها سمة سائدة في الشخصية أو هي اضطراب في إحدى سمات الشخصية ترتبط أو تتصاحب بالانسحاب الانفعالي عن الآخرين، وفي الوقت الذي يجد فيه كثير من الأفراد ذوي الإحساس بالوحدة النفسية أنفسهم غير قادرين على تكوين علاقات مشبعة ويحاول بعض هؤلاء الأفراد أن يهربوا من إحساسهم بالوحدة عن طريق الانخراط أو الدخول في علاقات مؤذية أو مرضية مع الآخرين.
-2 الوحدة النفسية الثانوية: عادة ما يظهر الشعور بالوحدة النفسية الثانوية في حياة الفرد عقب حدوث مواقف معينة في حياته كالطلاق أو الترمل أو تصدع في العلاقات العاطفية والحب.
3- الوحدة النفسية الوجودية: يعتبر هذا الشكل من أشكال الوحدة النفسية أوسع مما يتضمنه أي من الشكلين السابقين، كما يبدو هذا الشكل منفصلاً أو مميزاً إلى حد ما، ومن الوجهة النظرية ينظر كثير من أصحاب المنحى الوجودي الشعور بالوحدة النفسية الوجودية على أنه حالة إنسانية طبيعية وحتمية يتعذر الهروب منها، وأن الإنسان يتفرد ويتمايز عن الكائنات الأخرى؛ لأنه يعي ذاته ويستطيع أن يتخذ مواقف وقرارات واختيارات، وخوف الإنسان من المسئولية يجعله واعياً – بصورة مخيفة أو مرعبة – بانفصاله وتمايزه عن بقية الكائنات، وهذا يجبره على أن يهرب من تمايزه عبر طرق وأساليب خادعة ومضللة، مما يترتب عليه في النهاية أن يفقد صحته وأصالته وتفرده(الدسوقي, 9-6:1998).
كما قدم راسيل شكلين رئيسين للشعور بالوحدة النفسية هما :
 -1الوحدة النفسية العاطفية: ويعتبر داخلي المنشأة ويحدث نتيجة عدم الإشباع في العلاقات   العاطفية للفرد مما يدفعه للبحث عن تلك العلاقات الحميمة الدافئة من خلال الاندماج مع الآخرين.
-2 الوحدة النفسية الاجتماعية :ويعتبر خارجي المنشأة ويحدث نتيجة عدم كفاية العلاقات   الاجتماعية للفرد مما يدفعه للبحث عن مجموعات تشاركه الميول والاهتمامات والأفكار(خضر والشناوى,(122:1988.
الوحدة النفسية من وجهة الاتجاهات السيكولوحية الكبرى.

1- نظرية التحليل النفسي - فرويد Psychoanalytic Theory
فسّر فرويد (1856-1939) الشعور بالوحدة النفسية بأنها عملية تنافر المكونات داخل الفرد الهو (Id) ، الأنا (Ego) ، والأنا العليا (Super ego) مما يؤدي إلى سوء توافقه مع نفسه ومع بيئته الاجتماعية من حوله . ويمكن النظر إلى الشعور بالوحدة النفسية بأنه نتيجة للقلق العصابي الطفولي وله وسيلة دفاعية نفسية تعمل للحفاظ على الشخصية من التهديد الناشئ من البيئة الاجتماعية ويعبر عنه في صورة عزلة أو انسحاب(العقيلي, (16:2004.

2- نظرية (التحليل النفسي – الاجتماعية) أدلر ( Adler )  ( علم النفس الفردي )
أما آدلر (1870-1939) فقد فسَّر الشعور بالوحدة النفسية بأنه حالة عَرَض مرضي عصابي ، يحدث بسبب نقص الاهتمام الاجتماعي للفرد ، بحيث يكون غير مرغوب فيه اجتماعياً، ويعبر عنه بأنه خطأ في أسلوب حياة الفرد الذي تكون في طفولته.
  
3- نظرية يونج التحليلية Analytical Theory
فسَّر كارل يونج (1875-1961) الشعور بالوحدة النفسية عملية تفرد وسعي شخص ، ينمو من خلال العلاقة مع الآخرين ويهدف إلى تكوين ارتقاء البني الأساسية للشخصية وهي (القناع، الظل ، الانيما ، الانيموس) التي تحدد الصور والرموز النوعية المرتبطة بكل بنية، أي إن الشعور بالوحدة النفسية يعبر عن محاولة للتوافق النفسي مع الحياة(عثمان,:2001 28).
4- النظرية السلوكية (Behaviural Theory)
يرى جون واطسون (1878-1958) أن الشعور بالوحدة النفسية نمط سلوكي لم يتوفر له تعزيز اجتماعي إيجابي .
أما سكنر (1904) فيعتقد أن الشعور بالوحدة النفسية سلوك يتخذه الفرد على أساس إدراكه لاستجابات الآخرين في البيئة الاجتماعية . 
    
5- نظرية التعلم الاجتماعي (Social learning theory)
أما وولترز وباندورا (1925) فيريان أن الشعور بالوحدة النفسية ينشأ على أساس التعلم بالملاحظة ، ويؤدي وظيفة ، لأنه سلوك ارتبط بالتعزيز من خلال أنموذج حقق نتائج ، وهو عبارة عن إحساس الفرد بضعف فعالية الذات وتوقعه عدم القدرة على السيطرة في المواقف الاجتماعية بجهوده الذاتية .
 
6- نظرية المجال  (Field Theory)
فسَّر كيرت ليفين (1890-1949) الشعور بالوحدة النفسية حالة عدم أتزان انفعالي تؤدي إلى عجز الفرد في الوصول إلى محتويات كثير من المناطق في مجاله الحيوي ، وكثيراً ما تطغى المناطق المقفلة على المناطق الأخرى وتؤثر في سلوكه ، بحيث يبدو غير منسجم او متوافق مع عالم الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه .

7- نظرية السمات نظرية( البورت Allport )
عبَّر جوردن البورت (1897-1967) عن الشعور بالوحدة النفسية عدم قدرة الفرد على تحقيق امتداد الذات، وانعدام الاهتمام الحقيقي في مجال العلاقات الاجتماعية، مع تركيزه الكلي على دوافعه ومقاصده الخارجية، مع نظرة سلبية على نفسه بفقدان الأمن الانفعالي وعدم تقبل الذات .

8- النظرية الظواهرية (كارل روجرز Phenomenological Theory Rogers)
كان كارل روجرز (Carl Rogers) معالجاً نفسياً معروفاً ومؤسساً لطريقة العلاج المتمركز حول المسترشد ، وقد جمع المبادئ الأكثر نظامية وأسس عليها نظرية الذات من خلال شواهد سريريه ، كما انه طبق هذه النظرية في مجال الإرشاد والعلاج النفسي . فيرى أن الشعور بالوحدة النفسية ينشأ بسبب كف وإنكار أو تحريف لبعض الإدراك في ميدان الخبرة ، وهي دالة على مستوى التوافق النفسي وعلى مدى تنافر أو انسجام الذات مع الخبرات الاجتماعية التي تنتظم لدى الفرد وتتشوه من أجل أن تتلاءم مع المدركات السابقة( الشيبي, 16 :2005).

9- الوحدة النفسية من وجهة نظر جورج كيلي(1905-1967)
يؤكد جورج كيلي:أن الشعور بالوحدة النفسية ينشأ من حالات وجود تنبؤ خاطئ بالوقائع الاجتماعية، وهو مشكلة إدراكية تعني الفشل في تفسير المعايير والقيم الثقافية للفرد.
10- الوحدة النفسية من وجهة نظر أيريك فروم ((From, 1900
أكد فروم بأن الشعور بالوحدة النفسية حالة طبيعية تتصف بها البشرية فضلاً على حالة عدم الأهمية بسبب حصول الأفراد على حرية أكثر، وكلما قلّت الحرية زادت مشاعرهم للانتماء والأمان. والوحدة النفسية، والعزلة، والضعف عمليات تصاحب النضج، والفرد يحاول إعادة روابطه الأولية بالأمان أي انه يحاول الهرب من حريته المتنامية بواسطة ميكانزمات مثل (إقامة الروابط، الانعزال، الهدم ، الحب) والهدف من ذلك هو خلق الذات.  
كما يرى فروم بأن الإنسان يشعر بالوحدة و الانعزال لأنه جاء منفصلا عن الطبيعة ومنفصلا عن الناس الآخرين وذلك في كتابه الهروب من الحرية(Escape From Freedom1941 )ويضيف أيضا بأن حصول الفرد على حرية أكثر خلال حياته ومن خلال شعوره بالوحدة أيضا،فتكون الحرية حينئذٍ كتكيف سلبي ،فيحاول أن يهرب منها ،وأن الفرد كائن حي يمتلك الحاجات الفسيولوجية التي يجب أن تشبع ،وانه ككائن حي إنساني يدرك نفسه عن طريق التصور والتخيل، والتعليل (العقيلى,2004: 22) .

11- نظرية التدرج الهرمي للحاجات الإنسانية ( أبراهام ماسلو  MaslowHierarchy Needs Theory
أبراهام ماسلو شخصية معروفة في علم النفس المعاصر لما أمده من اتجاه جديد وحركة جديدة ظهرت في السنين المعاصرة في علم النفس الإنساني،كل السلوكيات البشرية وظيفة تهدف إلى إشباع حاجة, فيرى أن الشعور بالوحدة النفسية ينشأ بسبب عدم إشباع حاجات الانتماء والحب . والوحيد نفسياً يكون مدفوعاً بجوع للاحتكاك والصداقة الحميمة والانتماء ، والحاجة إلى التغلب على مشاعر الاغتراب والعزلة التي سادت بسبب الحراك الاجتماعي وتحطم الجماعات التقليدية، وبعثرة الأسرة والفجوة بين الأجيال بسبب التحضر المستمر واختفاء علاقة (الوجه لوجه) (الصنيع, 75:1995) .
12 - الوحدة النفسية من وجهة نظر نظرية الجشطالتية :
فقد فسَّر كل من (كوفكا ، وفرتمير وكوهلر) الشعور بالوحدة النفسية بأنه تعبير عن قصور في حيز حياة الفرد وعن اتجاهاته نحو نفسه وموقفه منها .
الوحدة النفسية من المنظور الإسلامي :
         تتأكد روح الجماعة بصفة عامة في معظم نشاطات المسلم وعباداته ، والتي يتجلى فيها وجوب حضور الجماعة في المسجد لأداء الصلاة خمس مرات في اليوم حيث فضلت صلاة الجماعة سبعاً وعشرين درجة عن الصلاة الفردية وتقام الصلاة في جماعات أكبر مرتين في السنة (صلوات العيدين : الفطر والأضحى) ، ويشهد موسم الحج إلى مكة المكرمة أكبر تجمع بشري يشارك فيه الملايين من المسلمين القادمين من كل أنحاء العالم الإسلامي (الراضي، 1990 : 29) .
كذلك فإن الإسلام يجمع بين قلوب المسلمين ومشاعرهم وأحوالهم المعيشية من خلال أداء شعائر فريضة الصوم في شهر رمضان الكريم. أيضا فان أداء فريضة الزكاة، وما ينتج عنها من تكافل اجتماعي وتآلف إنساني بين أبناء الأمة الإسلامية، يقرب ويجمع فيما بينهم، مما يجعل الأغنياء يعطفون على الفقراء، ويحب الفقراء الأغنياء. ومن هنا فإن الإسلام عموماً ينمي شعور الفرد بالانتماء للجماعة والافتخار والاعتزاز بها، وأيضا ينمي روح التعارف والتآلف والترابط والتعاون والتماسك والتراحم والمحبة والمودة والإخاء وتبادل المنفعة والمساعدة بين أبناء الأمة الإسلامية. وليس أدل على ذلك من قول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل :{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: 10)، {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: 2)، {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانا} (آل عمران: 103).
 يتضح لنا بجلاء أن الإسلام بصفة عامة يرفض كل المظاهر والأحوال التي من شأنها أن تؤدي إلى الوحدة أو الإنفراد أو الفرقة أو التشتت أو الابتعاد أو الانعزال عن الجماعة .
        تركز معظم الدراسات والبحوث النفسية والاجتماعية والدينية، وكل من يدرس الإنسان في حياته الاجتماعية على التفاعل بينه وبين الآخر (الإنسان والإنسان) وبين الإنسان والجماعة، وبين الجماعات، وتعد التفاعلية فتحاً علمياً أساسه اجتماعي في معظمه، لذا عدّ التفاعل الاجتماعي في مجتمعاتنا المعاصرة (الحديثة) وحتى القديمة، من أسس قيامها واستمرارها وامتداد بقائها ليومنا هذا، حيث قال الإمام الشيرازي: (إن الإنسان خلق اجتماعياً بالطبع، لا لحاجته الجسدية فقط، بل لحاجاته النفسية، حيث الإنسان يستأنس بالإنسان، ويستوحش لفقده، كأن الإنسان يؤثر في الإنسان الآخر، سواء أكانا فردين، أو مجتمعين، أو بالاختلاف والتأثير) (الشيرازي,1992: 38).الدين وضع المجتمع الإنساني على المحك عندما دعا إلى السلام والمساواة وحب الآخر وقبوله، والابتعاد عن الضغينة والمنابذة؛ إذ قال تبارك وتعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (الأنفال: 46).
         فالدين إذاً إطار شامل يضم البشرية أجمع، وهو المنهج المتكامل لكل زمان ومكان ولكل الأقوام والشعوب، وهو يدعو الناس إلى تكوين أسرة متفاعلة مع نفسها ومع الآخرين؛ فقد قال الإمام علي بن أبي طالب : (عليكم بالتواصل والتبادل وإياكم والتدابر والتقاطع) (الشيرازي.1992: 48وهو التفاعل والتواصل القائم على تأسيس القيم الداعية إلى الفضيلة والتمسك بالتقاليد والأعراف الصحيحة، كما يدعو الدين الناس إلى نبذ العنف وعدم دعمه كسلوك إنساني في التعامل وإحلال التفاعل السلمي بين الأفراد والمجتمعات والشعوب حتى يصل إلى الأمم، وهي دعوة حقه قوامها الحفاظ على الجنس البشري من الفناء..
         إذن؛ فالتفاعل الاجتماعي هو سلوك يتعلمه الإنسان من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، كما يتم تعلمه من الأسرة، وهو أيضا سلوك يباركه الدين، باعتباره أحد سمات المجتمع المتماسك؛ لذا يعد التفاعل الاجتماعي أحد الأساليب المهمة التي يستطيع الإنسان بواسطتها أن يعدل سلوكه عندما يتأثر بالآخر ويؤثر فيه، والتفاعل الاجتماعي عمل متبادل حيث يشترك كل فرد في هذا العمل ويكيف نفسه ليعمل مع الآخرين (أبو النيل,1985: 232).
         ومن الجوانب الأساسية التي يدعو لها الدين هي محبة الآخرين والاندماج معهم، والتفاعل والتعاون معهم، فكانت النظرة التفاعلية للفرد مع الآخرين قائمة على أساس الاتصال, المشاركة, معرفة الدور, التفاعلات الإنسانية بكل أشكالها؛ ولقد جاء في الذكر الحكيم: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34). و لعله يتضح من خلال ذلك المنظور النبوي الشريف مدى الوصف النموذجي والتحديد الدقيق الشامل لتكوين وشكل وطبيعة ونوع منظومة شبكة العلاقات الإنسانية الاجتماعية السوية، التي ينبغي أن تسود بين الأفراد وبعضهم بعضاً. و التي تصطبغ في جوهرها وكينونتها بدعائم الحب والود والراحة والرأفة والرحمة والاطمئنان والتعاون والألفة والمشاركة والتوحد مع الجماعة والاندماج فيها والتكامل فيما بينها.  وفي ضوء هذا : فإنه يتبين لنا ، أن أي خلل أو مشكلات يمكن أن تعوق الفرد عن تحقيق تفاعله الاجتماعي الطبيعي ، قد تقوده إلى الدخول في دائرة الاضطرابات النفسية والاجتماعية , والتي ربما بأتي في مقدمتها مشكلة الشعور بالوحدة النفسية.
         فالابتعاد عن الدين يثير معاناة شخصية (فردية) واجتماعية، وإذا ما تحللت القيم بالتدريج لدى أفراد المجتمع الحديث فإن المشكلات تزداد، ومن أهم تلك المشكلات التي تسبب المعاناة والآلام:
- ازدياد حالات الطلاق، والفشل في إيجاد سبل وحلول ناجحة في تربية الأبناء تربية صحيحة قويمة، واضطراب الثقة بين الأبوين، وازدياد حالات اضطراب الهوية (الهوية الذاتية الشخصية، والأسرية ثم الوطنية) فضلاً عن الإحساس بالتبلّد الانفعالي إزاء مواقف الحياة المختلفة، السهلة منها والصعبة،وانخفاض الروح المعنوية الفردية، حتى تكاد روح الكآبة تسري في مفاصل المجتمع وحلقاته.
         فالإمام الشيرازي يرى بأن للدين أهمية كبرى في التأثير في الفرد ثم التأثير في المجتمع، ولا يخفى الفرق بين الدين المرتبط بالحياة كالإسلام، حيث له مناهج في كل الشؤون، وبين الدين غير المرتبط بالحياة )، كما قال: (الدين يُصلح شأن الإنسان في دنياه وفي آخرته). (الجوهري وآخرون, 2000: 78).
       و منهج القرآن له الدور الأكبر، والقرآن دقيق الوصف لنفوس الأفراد والجماعات، ووصفه ينطبق على نفوس الناس في كل زمان ومكان، لأنه يتماشى مع وصف خصائص النفس وصفاتها الموروثة والمكتسبة، فالقرآن يحض على تهذيب النفس. ويقول الله سبحانه وتعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الرعد: 11)، وقال الإمام علي بن أبي طالب: (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) ( الشيرازي ,1992: 159).
وكما كان للعلماء العرب آراؤهم في الصحة النفسية والعلاج.
اعتبر الفيلسوف (ابن سينا) من أوائل المعالجين النفسانيين، وكان (الرازي) من أهم أطباء النفس وممن استخدم التحليل النفسي في علاج كثير من الأمراض النفسية أما (الفارابي) فيرى إن شعور الإنسان بالأمن وتمتعه بالصحة النفسية يأتي من خلال تماسك الجماعة كوسيلة للتخفيف من القلق ولتقويم الذات وتحديد السلوك الصحيح السوي ، أما (ابن خلدون) الذي تحدث عن تأثير المناخ ومستوى الخصب وطراز الحكم السائد ومستوى التطور في السمات الشخصية وما ينشأ ذلك من الآثار الجسمية والنفسية على الفرد.
وما يهمنا نحن المسلمون هو أن الشريعة الغراء قد سبقت في الحث على ذكر الله وإقامة الصلاة ونوهت بدور الإيمان والخشوع في راحة النفس؛ قال تعالى: {الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ. الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ طُوبَىَ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}  ( الرعد ، الآية 28-29), ومن توجيهات القرآن الكريم أن الخشوع في العبادة مفتاح السعادة؛ قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون  ، الآية 1-2), فالقرآن شفاء للقلوب من أمراض الشبهات والشهوات والوساوس كلها؛ القهري منها وغيره, وشفاء للأبدان من الأسقام، فمتى استحضر العبد هذا المقصد فإنه يحصل له الشفاءان: الشفاء العلمي المعنوي والشفاء المادي البدني بإذن الله تعالى..، والشفاء بالقرآن يحصل بأمرين: الأول القيام به وخاصة في جوف الليل الآخر مع استحضار نية الشفاء, والثاني الرقية به"
 - أمر الله سبحانه وتعالى بالإجماع وأكد عليه ونهى عن الافتراق والعزلة وحذر منها فقال تعالى عّز وجل }وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا{( آل عمران ، الآية 103) وأعظم المنة على المسلمين في جمع الكلمة وتأليف القلوب منهم فقال عز وجل}وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ (سورة الأنفال ، الآية 63).
     اهتم القرآن الكريم بتوجيه المسلمين إلى الأخوة والمحبة، والتعاون، والترابط حيث قال الله تعالى عّز وجل:}وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ{ (التوبة ، الآية 71)،}إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{( الحجرات ، الآية 10).
ويوصينا نبينا محمد صلى الله عليه و سلم على أن نتحصَّن ونحتمي ونختار الجماعة المؤمنة الظاهرة التي يسعى كل فرد فيها إلى طاعة الله, وقد أخبرنا عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الوحدة ونهى أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده حيث قال : (لو يعلم الناسُ ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكبٌ بليلٍ وحدهُ) ( البخاري,  ,138 :1379 ج6).
ولا يعني هذا أن على الإنسان أن يتجنب الوحدة فيلقى بنفسه وسط أصدقاء السوء, بل عليه أن يختار الأصدقاء الطيبين الذين يعينونه على الخير : فإن من ابتعد عن الجماعة المؤمنة يكون أشبه بالشاة التي تكون منفردة وبعيدة عن القطيع فتكون سهلة الصيد على الذئاب حيث قال الرسول صلى الله عليه و سلم :(إن الشيطان ذئب ابن آدم كذئب الغنم يأخذ الشاة دون الناحية والقاصية ، فعليكم بالجماعة والمساجد), وقال الإمام علي بن أبي  طالب في نهج البلاغة : (خالطوا الناس مخالطة إن مُتُّم بكوا عليكم وإن عشتم حنوا إليكم).    
فإرتباط الإنسان بالآخرين بالمودة والمحبة، يقوي انتماءه إلى الجماعة ويخلصه من الشعور بالقلق الذي ينتج عن الوحدة والعزلة عن الجماعة. ليس كائنا منعزلا عن الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه بل كائن اجتماعي قادر على خلق شخصيته من خلال نشاطه الذاتي.
الأضرار النفسية التي تنتج عن الشعور بالوحدة النفسية :
مما لاشك فيه أن معاناة الفرد وخصوصا المرأة من الشعور بالوحدة النفسية، تمثل أزمة نفسية عميقة تهز كيانهم ، وتهدد أمنهم واستقرارهم الداخلي ، فيختل توازنهم النفسي نتيجة لانهيار توافقهم الاجتماعي، ويترتب على ذلك بطبيعة الحال عواقب وأضرار مرضية ، تظهر في عديد من أشكال الاضطرابات الانفعالية والمشكلات السلوكية كما يتضح فيما يلي :
يؤكد ماهون وآخرون (Mahon et al, 1999) أن ارتفاع مستوى الشعور بالوحدة النفسية يؤثر سلباً على قدرات التفكير الابتكاري لدى المراهقين.
ويذكر بورتنوف (Portnoff,1976) أن هناك عدة متغيرات سلبية تصاحب خبرة الشعور بالوحدة النفسية وترتبط بها ، وتتضمن هذه المتغيرات كلاً من الاكتئاب والاغتراب والحزن والأسى والحاجة إلى الألفة الاجتماعية واللامبالاة والتبلد العاطفي .
ويضيف كل من تشنيج وفيرنهام (Cheng & Furnham,2002) أن خبرة الشعور بالوحدة النفسية تؤثر سلباً على الثقة بالنفس والشعور بالسعادة .
كما أن هناك عوامل أخرى معينة مرتبطة بالشعور بالوحدة النفسية ، كالضغوط النفسية والقلق والملل النفسي وكراهية الذات وفقدان المهارات الاجتماعية والجناح . (Gaudin & Polensky,1993) .
كذلك يتضمن الشعور بالوحدة النفسية بعض الأضرار النفسية الأخرى، والتي من أهمها، فقدان أي هدف أو معنى للحياة، والعجز عن إقامة علاقات شخصية حميمة ومستمرة مع الآخرين، وفقدان خاصية التواصل العاطفي، والفتور الانفعالي والعنف (Bragg,1979:55).
         كما يدفع شعور المراهق بالوحدة النفسية والعزلة وخاصة في مرحلة المراهقة المبكرة إلى اللجوء إلى حل الأزمة عن طريق الانتماء إلى إحدى الجماعات السياسية أو الدينية المتطرفة ، وعادة ما يكون نشاط هذه الجماعات موجهاً نحو التورط في تغيير النظام القائم عن طريق استخدام العنف، حيث تؤدي العضوية في هذه الجماعات إلى إزالة القلق عند المراهق ، عن طريق الشعور بالتوحد مع جماعة منظمة لها إطار مرجعي محدد وواضح ، في الوقت الذي يكون فيه شاعراً بالضياع، وإن كان هذا الإطار موجهاً توجيهاً هداماً وليس بناء (إسماعيل ، 1996 : 338-341) .
ويضيف جلال (1986 : 468) أن الشعور بالوحدة النفسية قد يؤدي إلى محاولة الانتحار، التي يسبقها شعور بالاكتئاب واضطرابات انفعالية، حيث أن الدراسات قد أثبتت أن الانتحار ناتج ضمن عوامل أخرى عن وجود مشكلات حديثة أدت إلى قطع ما تبقى من علاقات اجتماعية لها معنى ، والمشكلة الأساسية هي الشعور بالوحدة النفسية والعزلة .
التغلب على الوحدة النفسية
ولقد اهتم الإسلام بالصحة النفسية للفرد والمجتمع, إن الدين الإسلامي يعتبر مصدرا لاستكمال النزعة الفطرية فهو يعين الفرد على تحقق الصحة النفسية فهو علاج حقيقي لأزمات النفس. قال تعالى :}أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { (الرعد ، الآية 28) . كما قال تعالى }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ){ البقرة ، الآية 155-157)، وقد علم القرآن الكريم المسلمين كيف يتخلصون من وساوس ونزعات عدوهم الأكبر، قال تعالى : }وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ (الأعراف ،الآية 200). 
طور يونج ((Young نموذجا لعلاج مشكلة العزلة,ويتضمن برنامج يونج ست مراحل متدرجة: 
1- أن يشعر الفرد بالرضا عن نفسه.
2- أن يشترك في نشاطات مع عدد من الأصدقاء .
3- أن يعي نحو صديق يشعر بإمكان عقد صداقة حميمة معه.
4- إرساء علاقة حميمة مع صديق مناسب من خلال الإفصاح عن الذات.
5- أن يشترك في إفصاح متبادل عن الذات مع صديق موثوق فيه.
6- دعم الشعور بالالتزام الوجداني لصديق اعتز بصداقته(عثمان,2001:156).
-        يجب أن تشاركي مشاعرك وتجاربك في الحياة مع الناس.حاولي ألا تقضى معظم الوقت وحيدة وإذا كانت طبيعة عملك تجعلك بعيدة عن الاتصال المباشر بالناس حاولي أن تستغلى عطله نهاية الأسبوع, بذهابك للاماكن العامة والمناسبات الاجتماعية, لا تقضى عطله نهاية الأسبوع في البيت.
-        الالتحاق ببعض المشاريع التي تشجع العمل كفريق واحد. لأنك عندما تدخلي في مثل هذا النوع من المشاريع سوف تكوني مجبرة على مشاركه أرائك و أفكارك و أيضا مخاوفك إزاء جوانب المشروع, و من الممكن أن تكوني مجبرة أيضا على حضور اجتماعات بشكل منتظم لمناقشة المشروع.كل ما سبق كفيل للقضاء على شعورك بالوحدة.
-        واحدة من أهم العوامل للتغلب على الوحدة هي الصدق في العواطف, حاولي أن تكوني أكثر انفتاحا مع أصدقائك, أخبريهم عن مخاوفك و همومك بدلا من الأحاديث السطحية.إذا كنت خائفة من مشاركة مشاعرك فانك قد تكوني محتاجة للثقة بالنفس , بعض الناس يظنون أن إخبار احد أنهم محبطين يجعلهم ضعفاء وهذا ليس صحيحا, فشعورك بالإحباط لا يعنى أنك شخص ضعيف و لكنه يعنى أنك إنسان!.
-        ابحثي عن أصدقائك القدامى ونشطي علاقاتك بهم مجددا, وسعي من علاقاتك الاجتماعية وانخرطي في أنشطة سارة مع أصحابك كالرحلات والزيارات استغلى أوقات فراغك في صلة الأرحام(روكاتش,:1988 3).
بما أن الحاجة إلى الأمن النفسي مستمرة, استمرار أحداث الحياة وضغوطها النفسية المتواصلة, وهذا ما يجمع عليه الكثير من الناس, خاصة في الحياة المعاصرة, وذلك لأن الإنسان افتقد فيها الأمن والطمأنينة, وتعددت المصادر التي تهدده  بالرغم من التقدم المادي الذي حققه ، لذا فإن الله يعلم أن الإنسان بحاجة مستمرة إلى الأمن فجعل تحصيله يسيراً فكان متحققاً بمجرد ذكره,  يقول تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (الرعد ، الآية 28).


المراجع العربية
أولا : المصادر
* القران الكريم
ثانيا : المراجع العربية.
1.       راجح، أحمد عزات (1977): أصول علم النفس العام, ط 11، دار المعارف بمصر القاهرة.
2.       رواه أحمد والبخاري (7877): في الأدب المفرد وصححه الألباني (313).
3.       خويطر،وفاء حسن على (2010) الأمـن النفسي و الشعور بالوحدة النفسية لدى المرأة الفلسطينية (المطلقة والأرملة) وعلاقتهما ببعض المتغيرات.
4.       الشريف, عدنان(1987): علم النفس القرآني, الطبعة الأولى, بيروت: دار القلم للملايين
5.       زهران، حامد عبد السلام (1997): الصحة النفسية والعلاج النفسي, القاهرة، عالم الكتب، ط3.
6.       زهران، حامد عبد السلام  (2003) : دراسات في الصحة النفسية والإرشاد النفسي.
7.       الشر بيني، محمد الخطيب (د. ت): مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المحتاج.
8.       الشرقاوي، حسن محمد (1984): نحو علم نفس إسلامي, مؤسسة شباب الجامعة.
9.            شقير، زينب محمد (2000): الشخصية السوية والمضطربة,القاهرة، مكتبة النهضة العربية.
10.        عبد الباقي، سلوى (2002) : موضوعات في علم النفس الاجتماعي. مركز الإسكندرية.
11.        عبد الرحمن، محمد السيد: (1998) نظريات الشخصية. دار قباء للطباعة والنشر.
12.        عكاشة, احمد (1989): الطب النفسي المعاصر, ط8, الأنجلو المصرية : القاهرة.
13.        العنزى, أمل (2006): مواجه الضغوط عند الصحيحات والمصابات بالأعراض النفسجمية, رسالة ماجستير, كلية التربية, جامعة الملك عبد العزيز:السعودية.
14.        عودة ، محمد ومرسي، كمال (1994) : الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام . الطبعة الثالثة، الكويت، دار القلم , للكتاب، ص 6.
15.        عيد,إبراهيم (د.ت): أزمات الشباب النفسية, مكتبة زهراء الشرق,كلية التربية , جامعة عين شمس.
16.        العيسوي، عبد الرحمن (2002): الوجيز في علم النفس العام, ط1، دار المعرفة الجامعية.
17.        غانم، محمد حسن (2002): المساندة الاجتماعية المدركة وعلاقتها بالشعور بالوحدة النفسية والاكتئاب لدى المسنين والمسنات المقيمين في مؤسسات إيواء وأسر طبيعية، دراسات عربية في علم النفس، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، المجلد1، العدد3، ص 89 - ص 35.
18.        قطينة، آمال (2003) : أمراض النفس وعلاجها بالذكر, الطبعة الأولى، دار الحامد الكتب العلمية : بيروت.
19.        لسان العرب, (باب أمن) الجزء (13) الصفحة (21).
20.        لسان العرب 1/140.
21.        مبروك، عزة ( 2002 ) : تقييم الذات وعلاقته بكل من الشعور بالوحدة النفسية, دراسات عربية في علم النفس، مجلد1، عدد2، ص ص 185-209.
22.        مخيمر، عماد (2003) : الرفض الوالدي ورفض الأقران والشعور بالوحدة النفسية في المراهقة، دراسات نفسية، المجلد 13 ،العدد 1، ص ص 59.
23.        مرسي، أبو بكر محمد (1999) : تعاطي المراهقين للبانجو وعلاقته بتقدير الذات والشعور بالوحدة النفسية , مجلة دراسات نفسية، رابطة الأخصائيين النفسيين المصرية (رانم) ، المجلد (9) ، العدد (3)، ص ص 355 – 385.
24.        المزروع، ليلى (2003): فعالية برنامج إرشادي لتنمية المهارات الاجتماعية في تخفيف حدة الشعور بالوحدة النفسية لدى عينة من طالبات جامعة أم القرى, مجلة الإرشاد النفسي، العدد 6.
25.        مسلم (1913) والنسائي (3167).
26.        المنجد في اللغة والأعلام (1988)، دار المشرق ، بيروت ، الطبعة السابعة والثلاثون.
27.        موسوعة علم النفس الشاملة (1999)، المجلد 8.
28.        نجاتي, محمد عثمان: (1990): القرآن وعلم النفس دار الشروق القاهرة , بيروت الطبعة الثالثة.
29.        النيال، مايسة (1993) : بناء مقياس الوحدة النفسية ومدى انتشارها لدى مجموعات عمرية متباينة من أطفال المدارس بدولة قطر، مجلة علم النفس، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، العدد (25) ، ص ص 102 – 117.
30.        النيال ، مايسة أحمد: (1999) الخجل وبعض أبعاد الشخصية, دراسة مقارنة في ضوء عوامل الجنس، العمر، الثقافة. الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية.
31.        نيفين محمد زهران (1994): الشعور بالوحدة النفسية لدى المراهقين الأيتام من الجنسين وأساليب المعاملة الوالدية لدى عينة من طالبات المرحلة المتوسطة بمدينة مكة المكرمة.
32.        الهابط، محمد السيد (1983): التكيف والصحة النفسية, الطبقة الثانية، الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث.
33.   يونس , انتصار (1993): السلوك الإنساني, دار المعارف, جامعة الإسكندرية.
34.   شيبي, الجوهرة بنت عبد القادر (2005): الشعور بالوحدة النفسية وعلاقاتها بسمات الشخصية لدى عينة من جامعة أم القرى بمكة المكرمة, رسالة ماجستير، جامعة أم القرى.
35.        شيخاني، سمير (د.ت): إقهر الخجل واختبارات نفسية متفرقة, ترجمة سوزاريني فرنسوا، ط(2) ، بيروت ، دار الجيل.
36.        عابد, وفاء (2008): علاقة الشعور بالوحدة النفسية لدى زوجات الشهداء بكل من المساندة الاجتماعية والالتزام الديني, كلية التربية الجامعة الإسلامية - غزة.
37.       

 ثالثا : المراجع الأجنبية:
38.         Ami Rokach (2007): the Effect of Age and Culture on the Causes of and loneliness. and Old AGE : Are the Childless More Vulnerable.
        http://web.acec.edu/lonelinessin the USA .
39.          Jones, W. et al. (1982) : Loneliness and social deficits. Journal of Personality and social Psychology, Vol. 42 (4), PP. 682-689.

40.          Koropeckyj-Cox ,T.(1995) : Loneliness and Depression in Middle.
41.          Maslow, A. :The dynamics of psychological security- insecurty. Character and personality. 10. (1942). 331-344.
42.          Moustakas, C. (1961). "Loneliness". Rentice-Hall. n3 P345-358.
43.          Nicpon, Megan (2007): The Relationship of loneliness and social.
44.          Peplau, A and Perlman, D1982: Loneliness : A Source book of current theropy : research and theory . New York. Johns and sons.
45.          Rokach, A. ; Bauer, N and Orzeck, T.: The experience of Loneliness of canadian and Czech youth, Journal of adolescence, 26
46.          Seligman, A. (1983) : The presentation of loneliness as a separate diagnostic category and its disengagement from depression. Psychotherapy in Private Practice. Vol. L, PP. 33 – 37.
47.          Stednit 2, Jayme (2006): Girls and Mothers: social Anxiety, social skills. support with college freshmen's Academic per formance and persistence, Toronto, Canada, V2 n35, p169-186.
48.          Gaudin, J. & Polansky, N. (1993) : Loneliness, depression stress, and social supports in neglectful families. American Journal of Orthoppsychiatry, Vol. 63 (4), PP. 597 – 605.)
49.          Bragg, E. (1979) : A comparative study of loneliness and depression. Disserlation A bstracts International, Vol 39 (B-12), P. 6109.
50.          Maslow, A. (1942): The dynamics of psychological security-insecurty, Character and personality, 10.331-344.
51.          Adler, A. (1929): Problems of Neuross. Londlon, Kegan Paul..
52.          Horney, K. .( 1945): Our inner conflicts: New York. Norton
53.          Berlin, L. (1995) : Loneliness in young children and infant mother attachment : a longitudinal study,Meril-Palmer quarterly. 41. 91 – 103. 
54.          Weiss,R.S. (1973): Loneliness: The experience of emotional and social isolation. Cambridge Mass. MIT press..
55.          Peplau, A and Perlman, D(1982): Loneliness : A Source book of current theropy : research and theory , New York, Johns and sons.
56.          Young, J. (1979) : Loneliness in college students : A cognitive approach. Dissertation abstracts international. 40. 3-B 1392.
57.          Rokach, A. ; Bauer, N and Orzeck, T. (2003): The experience of Loneliness of canadian and Czech youth". Journal of adolescence. 26) 267-282.
58.          Lynch, J. (1977): "The broken heart. The Medical Consequences of Loneliness", New York.
59.          Newcomb, M. & Bentler, P. (1986) : Loneliness and social support : Aconfirmatory hierachical analysis. Personality and Social Psychology Bulletin, Vol. 12 (4), PP. 520 – 535.
60.          http://www.mckinley.unuc.edu/







  














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق